|
دمج وتأهيل الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس العادية |
الكاتب : محمد حليم اسماعيل |
القراء :
47294 |
دمج وتأهيل الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس العادية بقلم محمد حليم اسماعيل أطفال في عمر الزهور يملئون المدرسة، بل الدنيا، بهجة وفرحاً وأملاً. ابتسامتهم الدائمة تدل وتعبر عن رغبة ومحبة كبيرة للحياة. حركاتهم تؤكد وتعبر عن إصرار للاستمرار والمشاركة في الحياة. نظراتهم تقول: فقط أعطونا الفرصة من أجل المشاركة في البناء والإنتاج. فهؤلاء الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة حقيقة قد لفتوا نظري ونظر جميع العاملين في المدرسة إلى وجودهم بين التلاميذ في وقت لم تزودنا وزارة التربية بأي برامج ووسائل أو تعليمات حول كيفية دمجهم وما هي كيفية وآلية تلبية احتياجاتهم الخاصة. لكن الدافع الإنساني لدى الجميع كان سباقاً حيث عمل الجميع على إحاطة هؤلاء الأطفال بالحب والحنان وتوفير وتقديم كل أنواع المساعدة لهم.. والجميل والرائع في هذه التجربة الدمجية البسيطة والغير أكاديمية !! بأن هؤلاء الأطفال الذين هم من ذوي الاحتياجات الخاصة لم يتعرضوا لأي شكل من أشكال الإزعاج أو المضايقة من قبل أقرانهم الآخرين بل العكس هو الصحيح، حتى أن بعض التلاميذ كانوا ولازالوا يتطوعون لمرافقة هؤلاء التلاميذ.. وكذلك المعلمون تقبلوا هؤلاء التلاميذ بدون أي اعتراض بالرغم من ضخامة عدد التلاميذ في الصف وما سيسببه وجود هذا الطفل من متاعب إضافية للمعلم داخل الصف، إضافة الى افتقار المعلم لطرق تعليم هذه الفئة من التلاميذ. كما أننا التقينا بأسر هؤلاء التلاميذ من خلال الزيارات الأسرية الميدانية فتبين بأن معظم هؤلاء الأطفال ينتمون لأسر منخفضة الدخل ومرتفعة عدد الأفراد ومتواضعة المسكن، وإن معظم تلك الفئة إعاقتها كانت وراثية.. وليست مكتسبة. والملفت بأن معظم تلك الأسر قد تقبلت واقع طفلهم الخاص على أنه أمر واقع وهو من مشيئة الله. إلا إنهم جميعاُ قد تمنوا أن تقوم الجهات المعنية في الدولة بمساعدتهم في إعالة أطفالهم هؤلاء وذلك لارتفاع نفقات تأمين متطلباتهم وحاجاتهم الخاصة... وكنتيجة فقد أثار مشروع دمج هذه الفئة الكثير من التساؤلات : o ما المقصود بالدمج وهل له أنواع ودرجات؟ - ما هي فوائد الدمج وما هي سلبياته؟ o أليس من الضروري أن يسبق الدمج عملية تأهيل وتثقيف وتوعية لذوي الاحتياجات الخاصة ومتطلباتهم؟ o وهل سيطرأ تغيير على مناهج مدارس الدمج أم ماذا؟ وهل سيتخصص معلمون للقيام بهذه المهمة بعد تأهيلهم وتدريبهم أم هناك أخصائيون سيرفدون تلك المدارس؟ o هل سيشمل الدمج كل أنواع الإعاقات أم بعضها؟ كثيرة هي الأسئلة التي تثار عند مناقشة هذا المشروع لعلنا نجد أجوبة لها في الصفحات القليلة القادمة... مقدمة لقد تبدلت مواقف المجتمعات من المعوقين مع تبدل النظرة الاجتماعية للعجز، فلقد لجأت بعض المجتمعات قديماُ إلى عزل العاجز اجتماعيا وهجره والابتعاد عنه وكأنه شر من شرور الحياة، فتبعاُ لقوانين (جستنيان) لا يتمكن المعاقون من التملك والإرث، كما أن قوانين (لوكورجوس) الروماني و(سولون) الاثني كانت تسمح بالتخلص ممن بهم نقص جسدي، فكانت السلال تباع قديماُ بشكل علني في أسواق (اسبرطة) و(أثينا) ليوضع فيها الأطفال المشوهون خارج حدود البلاد ليموتوا جوعاُ أو لتلتهمهم الحيوانات المفترسة.... إلا أنه في الآونة الأخيرة استقطبت وحازت مسائل الإعاقة والوقاية منها اهتمام العالم بأجمعه وبرزت كأحد أهم المسائل الاجتماعية التي تستوجب المواجهة والمعالجة الفعالة. ولا شك أن أبعاد المشكلات التي تتعلق بالإعاقة والمعوقين قد توضحت في أذهان الباحثين والمخططين والمهتمين بمسائل الخدمة وقضايا التنمية الاجتماعية نتيجة لعدة اعتبارات أساسية - منها ضخامة حجم وأعداد المعوقين في العالم والذي قدر مؤخراُ " حسب تقديرات الأمم المتحدة " لعام 1979 حوالي /450/ مليون معوق وأنه قد بلغ العدد قرابة /600/ مليون في نهاية عام/2000/. أي أنهم يشكلون نسبة /10% / من سكان العالم، منهم قرابة /200/ مليون معوق هم من الأطفال دون سن الخامسة عشر. - الاعتبار الثاني هو اعتبار إنساني والذي يؤكد على حقوق هذه الفئات في أن يحيوا حياة كريمة وسوية وذلك بإدراك متطلباتهم واحتياجاتهم الأساسية والعمل على تلبيتها وتأمينها انطلاقاُ من كونه حقاُ من حقوقهم وواجباُ تتبنى الدولة تأديته وتنفيذه من خلال الخطط والبرامج العامة. - آما الاعتبارات الاقتصادية المرتبطة بمسائل الإعاقة ومنكساتها فقد كانت من أهم الأسباب التي دفعت المهتمين بأمور الرعاية والخدمات وقضايا التأهيل والتدريب وكذلك المسئولين عن برامج التنمية الشاملة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية الى تركيز الاهتمام بفئات المعوقين باعتبارهم قوة بشرية مهدورة وفاقداُ بشريا واقتصاديا يمكن استعادته والاستفادة من إمكانياته وقدراته فيما لو أحسن إعداده وتدريبه وتأهيله وأعيد دمجه في إطار الفعالية الاقتصادية المنتجة والباءة. إذاُ الخطوة الأولى والأساسية في هذا المشروع الحيوي تبدأ من عملية دمج الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس العامة. والعمل على تثقيف وتوعية المجتمع ككل (والمجتمع المدرسي بشكل خاص) بمتطلبات واحتياجات هذه الفئة الاجتماعية.
فمفهوم الدمج هو في جوهره مفهوم اجتماعي أخلاقي نابع من حركة حقوق الإنسان ضد التصنيف والعزل لأي فرد بسبب إعاقته, إلى جانب تزايد الاتجاهات المجتمعية نحو رفض الوصمة الاجتماعية للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، فسياسة الدمج هي التطبيق التربوي للمبدأ العام الذي يوجه خدمات التربية نحو تطبيع وجود ا لأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس العامة مع الأطفال العاديين. وبالنتيجة فأن سياسة الدمج تقوم على ثلاثة افتراضات أساسية تتمثل في - أنها توفر بشكل تلقائي خبرات التفاعل بين ذوي الاحتياجات الخاصة وأقرانهم العاديين - وتؤدي إلى زيادة فرص التقبل الاجتماعي لذوي الاحتياجات الخاصة من قبل الأطفال العاديين - كما تتيح فرصاً كافية لنمذجة أشكال السلوك السليم الصادرة عن أقرانهم العاديين. لذا فان سياسة الدمج هي الطريقة المثلى للتعامل مع الأطفال من ذوي الحاجات الخاصة في المدارس العادية، فالمبادرات العالمية التي جاءت من الأمم المتحدة متمثلة باليونيسيف واليونسكو - وكذلك الجهات المعنية الحكومية متمثلة بوزارة التربية ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل كلها مجتمعة أعطت زخما كبيرا للمفهوم القائل بأن كل الأطفال لهم الحق في التعليم معا دونما تمييز فيما بينهم بغض النظر عن أي إعاقة أو أية صعوبة تعليمية يعانون منها. تعريف الدمج Mainstreaming الدمج هو إتاحة الفرص للأطفال المعوقين للانخراط في نظام التعليم الخاص كإجراء للتأكيد على مبدأ تكافؤ الفرص في التعليم , ويهدف الدمج بشكل عام إلى مواجهة الاحتياجات التربوية الخاصة للطفل المعوق ضمن إطار المدرسة العادية ووفقا لأساليب ومناهج ووسائل دراسية تعليمية مناسبة, ويشرف على تقديمها جهاز تعليمي متخصص إضافة إلى كادر التعليم في المدرسة العامة. تلك العملية التي تشمل على جمع الطلاب في فصول ومدارس التعليم العام بغض النظر عن الذكاء أو الموهبة أو الإعاقة أو المستوى الاجتماعي والاقتصادي أو الخلفية الثقافية للطالب. وضع الأطفال ذوي القدرات والإعاقات المختلفة في صفوف تعليم عادية وتقديم الخدمات التربوية لهم مع توفير دعم صفي كامل. ومن التعريفات الأخرى الخاصة بسياسة الدمج كما أوضحت بعض الدراسات التعريفات التالية:- 1- البيئة الأقل عزلاleast restrictive: يقصد بها الإقلال بقدر الإمكان من عزل الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة وذلك بدمجهم قدر الإمكان بالأطفال العاديين في الفصول والمدارس العادية. 2- الدمج mainstreaming: ويقصد بذلك دمج الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة في المدارس أو الفصول العادية مع اقرأنهم العاديين مع تقديم خدمات التربية الخاصة والخدمات المساندة. رؤية تربوية حول دمج المعاقين يعتبر مفهوم الدمج من المفاهيم التي تشكل اهتمام لدى جميع العاملين والمهتمين في حقل رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، وأن المجتمعات التي مازالت تجتهد في رعاية المعاقين وفي تأهيلهم وجدت في فكرة الدمج الخلاص الأساسي والرئيسي للعلاج وللوقاية من الأمراض الاجتماعية والنفسية. فالمعاق يحتاج إلي شتى أوجه الرعاية من خلال منظور الدمج حتى يتسنى له الحصول على الاحترام والتقدير المجتمعي، وحتى يتسنى له العيش في الحياة الكريمة التي تسعى الأنظمة المعنية به لتوفيرها له. لهذا تعددت الآراء والاتجاهات حول كيفية الدمج والنواحي والجوانب التي يجب أن يشملها الدمج , لهذا ظهرت عدة أنواع من الدمج , ولكل نوع خصوصيته التي تميزه من خلال طبيعة الفائدة التي تقدمها للمعاق: أولا: الدمج التعليمي ويعتبر شكلاً من أشكال الدمج الأكاديمي، حيث يلتحق الطلاب بالمدارس العامة،وفيه يتم إلحاق الطلاب الأسوياء والمعاقين في صف دراسي مشترك وتحت برنامج أكاديمي موحد، يتلقى كلا الجانبين عملية التعليم فيه. ثانيا: الدمج الاجتماعي يقصد به دمج المعاقين مع الأسوياء في السكن والعمل، ويمكن للجمعية أداء دورها في هذا المجال من خلال: - الإعداد لرحلات للمعاقين ذهنياً والأسوياء. - تدريب المعاقين ذهنياً داخل ورش الجمعية مع الأسوياء. - محاولة الاستفادة من قدرات المعاقين قدر الإمكان في الجمعية ومشاركتهم الأنشطة المختلفة وفقاً لقدراتهم. - عمل لقاءات ومحاضرات وندوات يساهم فيها المعاقين مثل: قص شريط الحفل - تقديم المشروبات للحضور - اشتراكهم في أعمال الضيافة بالجمعية - الإعلان عن حملات التبرع بالمال أثناء موسم معينة/ وإشراكهم في رحلات الأيتام وأنشطة دور الأيتام. كما يمكن إشراك المعاق ذهنياً في أعمال الخير التي تنفذها الجمعية مثل زيارة المرضى بالمستشفى وتقديم المساعدات لهم. من أهم أهداف الدمج- 1- إتاحة الفرص لجميع الأطفال المعوقين للتعليم المتكافئ والمتساوي مع غيرهم من الأطفال 2- إتاحة الفرصة لتأهيل الأطفال المعوقين للانخراط في الحياة العادية. والتفاعل مع الأخري. 3- إتاحة الفرصة للأطفال غير المعوقين للتعرف على الأطفال المعوقين عن قرب وتقدير مشاكلهم ومساعدتهم على مواجهة متطلبات الحياة 4- خدمة الأطفال المعوقين في بيئتهم المحلية والتخفيف من صعوبة انتقالهم إلى مؤسسات ومراكز بعيده عن بيتهم وخارج أسرهم وينطبق هذا بشكل خاص على الأطفال من المناطق الريفية والبعيدة عن مؤسسات ومراكز التربية الخاصة. 5- استيعاب اكبر نسبه ممكنه من الأطفال المعوقين الذين لا تتوفر لديهم فرص للتعليم. 6- تعديل اتجاهات إفراد المجتمع وبالذات العاملين في المدارس العامة من مدراء ومدرسين وأولياء أمور 7- التقليل من الفوارق الاجتماعية والنفسية بين الأطفال أنفسهم وتخليص الطفل وأسرته من الوصمة التي يمكن أن يخلقها وجوده في المدارس الخاصة بالمعوقين. 8- إعطاؤه فرصة أفضل ومناخا أكثر تناسبا لينمو نموا أكاديمياً واجتماعيا ونفسيا سليما إلى جانب تحقيق الذات عند الطفل ذي الاحتياجات الخاصة وزيادة دافعتيه نحو التعليم ونحو تكوين علاقات اجتماعية سليمة مع الغير وتعديل اتجاهات الأسرة وأفراد المجتمع. 9- وكذلك تعديل اتجاهات المعلمون وتوقعاتهم نحو الطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة من كونها اتجاهات تميل إلى السلبية إلى اتجاهات أكثر ايجابية. 10- كما يحق للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة تلقي التعليم في المدارس العادية كبقية الأطفال العاديين حيث يعتبر الدمج جزءا من التغيرات السياسية والاجتماعية التي حدثت عبر العالم وان التربية الخاصة في المدارس العادية تساعد علي تجنب عزل الطفل عن أسرته والذين قد يكونون مقيمين في مناطق نائية 11- هو التركيز بشكل أعمق علي المهارات اللغوية للطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس العادية حيث نجد إن تعلم اللغة لا يتم بالصدفة وإنما يعتمد بشكل كبير علي العوامل البيئية ويعتبر النمو اللغوي مهما جدا للأطفال المدمجين حيث يسهل نجاحهم من خلال التفاعلات اليومية مع الآخرين.. لذا فان عملية تكييف الجوانب المرتبطة باللغة كالقراءة والكتابة والتهجئة والكلام والاستماع تعد مطالب ضرورية لنجاح دمجهم.. 12- وقد أشارت العديد من الدراسات إلى إن الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في فصول الدمج التي تقدم لهم مناهج معدلة وبرامج تربوية فردية في المهارات اللغوية يظهرون مقدرة أفضل للتعبير عن أنفسهم، كما إن الدمج يزود الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة بالفرص المناسبة لتحسين كل من مفهوم الذات والسلوكيات الاجتماعية التي وجد بأنهما مرتبطان ببعضهما بشكل كبير 13- أن دمج الطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة مع الأطفال العاديين يساعد هؤلاء في التعرف على هذه الفئة من الأطفال عن قرب وكذلك تقدير احتياجاتهم الخاصة وبالتالي تعديل اتجاهاتهم وتقليل آثار الوهم السلبية من قبل الأطفال الآخرين، ووضع الأطفال في ظروف ومناخ تعليمي أكثر اندماجا واقل تكلفة وتوفر تعليماً فردياً حيث أن دمج الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس العامة من الناحية الاقتصادية يكون اقل تكلفة مما لو وضعوا في مدارس خاصة لما تحتاجه تلك المدارس من أبنية ذات مواصفات وجهاز متخصص من العاملين بالإضافة إلى الخدمات الأخرى. 14- يجب أن لا يغيب عن أذهاننا بأن الدمج قد لا يكون الحل الأمثل لكل الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، بل إن بعض الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة قد لا يتمكنون من النجاح في أوضاع الدمج المختلفة لتباين حاجاتهم وعدم فعالية الخدمات التي قد تقدم لهم في تلك الأوضاع الدراسية.. ففي حين إن الدمج قد يكون حلماً وأملاً يتمناه الكثير من الأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة إلا انه قد يكون كارثة للبعض الآخر لما قد يطرأ من سلبيات في عملية التطبيق لا يتم احتواؤها مسبقاً أو الاستعداد لها. 15- يعتبر الدمج متسقا ومتوافقا مع القيم الأخلاقية والثقافية. 16- من أهداف الدمج بعيده المدى تأهيل وتخليص ذوى الاحتياجات الخاصة من جميع أنواع المعيقات سواء المادية أو المعنوية التي تحد من مشاركتهم في جميع مناحي الحياة. محمد حليم اسماعيل- مرشد اجتماعي- (دمج وتأهيل الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس العادية)- نساء سورية
|
أطبع
المقال |
أرسل المقال لصديق
|
|